بعْدَ أزيد من عام ونصف على التساكن تحت سقْف الحكومة بيْن رئيسها عبد الإله بنكيران ووزير الشؤون الخارجيّة والتعاون صلاح الدّين مزوار، نفَى بنكيران أنْ يكون قد اتّهمَ وزيرَ خارجيّته يوْما بالفساد.
وقالَ بنكيران في لقاءٍ مساء الأربعاء مع طلبة المدرسة الوطنية للحكامة والاقتصاد، “وقَع بيننا خلافٌ وأنا رددتُ عليه في إطار التنافس السياسي، ولمْ يسبقْ لي أنْ قُلْتُ يوما إنّ حزب التجمع الوطني للأحرار حزب فاسد”.
وفي إعْلانٍ عنْ طيّ صفْحة “العلاوات” التي استفادَ منه مزوار يوم كانَ وزيرا للاقتصاد والمالية، قال بنكيران “قضية التعويضات كانتْ عُرفا سائدا منذ الاستقلال، ولم أؤاخذه على الاستفادة منها بلْ لأنّه لمْ يوقّع عليها هو، ووقع عليها الخازن العامّ للمملكة”.
ودافَع بنكيران عنِ اختياره التحالفَ مع حزب التجمّع الوطني للأحرار بعْد انسحاب حزب الاستقلال من النسخة الأولى للحكومة، قائلا “هل تُريدون أنْ نذهبَ إلى تنظيم انتخابات جديدة ونعرّض البلاد للخطر؟”.
كمَا دافَع بقوّة عن علاقته معَ صلاح الدّين مزوار وقالَ إنّ العلاقات الودّية بيْنهما كشخص، وبيْن حزبه لم تتوقّف يوما، وأضاف “صحيح أنني قلت له كلام قاصح أثناء التنافس السياسي، ولكن ما غاديش نبقاو عديان، والمثل يقول لا محبّة إلا بعد عداوة”.
السيسي والحزب “الإسلامي”
ووَجدَ رئيسُ الحكومة نفسه وجها لوجْه أمامَ أسئلة “حارقة” في لقاء المدرسة الوطنية للحكامة والاقتصاد، كانَ أبرزها زيارته الأخيرة إلى مصر واستقباله من طرف الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يعتبره حزب العدالة والتنمية “انقلابيا”، وكذلك مسألة التطبيع مع إسرائيل.
وظهَر رئيس الحكومة مرتبكا أثناء إجابته على السؤاليْن، واكتفى بإجابات مقْتضبة جدّا، واكتفى بالقول فيما يتعلق باستقباله من طرف السيسي “يجبُ عليكم أن تعلموا أنّ حزب العدالة والتنمية ليس حزبا إسلاميا، بلْ له مرجعية إسلامية، وهو حزب سياسي له أفكار سياسية.
الموقف من التطبيع
أمّا فيما يتعلّق بقضيّة التطبيع مع إسرائيل فظهر رئيس الحكومة أكثر ارتباكا حينَ سأله الناشط الحقوقي اليهودي سيون أسيدون عنْ سبب عدم تجريم التطبيع مع إسرائيل رغْم المذكّرات التي وُجّهتْ إلى الحكومة بهذا الصدد، قائلا “يُمكن أن تشكّوا في نوايا أيّ رئيس حكومة في مجال التطبيع إلّا أنا”.
وحَاول بنكيران أنْ يخفّف منْ حجْم المُبادلات التجارية بيْن المغرب وإسرائيل، حينمَا قالَ له أسيدون إنّ شركة صهيونيّة للملاحة البحرية تنظم رحلات لنقْل السلع بين حيْفا والدار البيضاء، وتنامي المبادلات التجارية بيْن إسرائيل والمغرب، وقال بنكيران “إذا كانَ لديْك ملفّ أنا مستعدّ لاستقبالك”.
وعلى الفور قامَ أسيدون من مكانه وسلّم ملفّا لرئيس الحكومة، غيْرَ أنّ هذا الأخير اعترفَ أنّ تجريم التطبيع مع إسرائيل، الذي “أقبرَ” في البرلمان، “ليْسَ سهْلا ولكننا سنقوم باللازم”، دونَ أن يكشف عن مزيد من التوضيحات.
الأمازيغية قضيّة حسّاسة
موضوع آخرُ اعترَف رئيس الحكومة بعدم قدْرته على الدّفع به إلى الأمام، وهو ترسيم اللغة الأمازيغية؛ فعلى الرّغم من قوْله إنّ مسألة ترسيم الأمازيغية مثْل السعي إلى المناصفة، “لا نقاشَ فيها”، إلّا أنّه شدّد على أنّ الحكومة لا تستطيع لوحدها أن تتولّى هذا الموضوع.
ونفى بنكيران ما نقلتْه عنه الصحافة من كوْنه قال إنّ ملف الأمازيغية يتجاوزه، قائلا “لم أقُل ذلك أبدا، ولكنْ هذه قضيّة حسّاسة تتعلق بالهوية، ولابدّ من التشاور فيها مع الملك، وأوضح أنّ القانونين التنظيميين لتفعيل الأمازيغية “سنأتي بهما في الوقت المناسب”، دون تحديد موعدٍ معيّن لذلك.
اعتقال كتّاب الضبْط
وفي موضوع إصلاح منظومة العدالة، كشَف بنكيران لأوّل مرّة أنّه وجّه أوامرَ إلى وزير العدل والحرّيات مصطفى الرميد، باعتقال كتّاب الضبْط “الذين كانوا يُضربون عن العمل وكايضربو المْقالي والكاصرونات أمام قاعات المحاكم من أجل التشويش على زملائهم غير المضربين”.
وقال بنكيران “قلتُ للسي الرميد أذا فعلوا مرّة أخرى فاعتقلهم”، وأضافَ “كانتْ هناك فوْضى، وكانت المحاكم تُضرب عن العمل ثلاثة أيام في الأسبوع، لكنّنا استطعنا وضعَ حدّ للإضرابات بعد تطبيق قرار الاقتطاع من أجور المضربين، رغم أنهم قاوموا في البداية”.
وفي سياق حديثه عن إصلاح العدالة، قال بنكيران إنّ القضاء “استُعمل” من طرف السلطة إبّان التنازع بيْن المؤسسة الملكية “وجهاتٍ لديْها نفوذ وسلطة يمثلها أوفقير، أوْ مع الحركة الوطنية، وحزب الشورى والاستقلال”.
وأضاف “لن أقول كمْ مدّة استُعمل القضاء من طرف السلطة، لكنّ لمّا استُعمل القضاء والقضاة أصبحت الدّولة تصمتُ عنهم، نظرا لحاجتها إليهم، فمنهم من سارَ وفْق ما يُمليه عليه ضميره، ومنهم فَعل ما أراد”.
وعنْ حال القضاء في الوقت الراهن قال بنكيران “هل نقول إنّ القضاء اليوم سليم؟ لنْ أقول كذلك”، ومضى قائلا “لا يمكن تغيير الأشياء التي ترسّخت على مدى أربعين سنة في ثلاث سنوات، لكن هناك رُوح جديدة تهبّ على هذا القطاع، والقضاء ستعودُ له الثقة”.
الإجهاض..
وعنْ سؤالٍ حوْل رأيه بخصوص موضوع الإجهاض، الذي تُجرى بشأنِه مشاورات في أفُق تعديل القوانين المقنّنة له في القانون الجنائي، نأى بنكيران بنفسه عن الخوْض في هذا الموضوع ورمى بالكرة في مرمى الملك.
وقال “لنْ أقول رأيي، لأنّ الدولة لها رئيس هو جلالة الملك”، وفي الوقت الذي تسرّبت أنباء عن وجود اختلافاتٍ داخل حزب العدالة والتنمية حوْل هذا الموضوع أكّد بنكيران ذلك بالقول “لم نحسم بعد في هذا الموضوع داخل الحزب وداخل الحكومة”.
وفي المقابل دافَع رئيس الحكومة بقُوّة عن النساء ضحايا الاغتصاب، مُوضحا أنّ المولود الذي ثمرة علاقة جنسية بيْن ولد وفتاة حتّى لوْ لم يُنسبْ إلى والده لأنّ الإسلام يحرّم ذلك، فيجب تحميل والده مسؤولية كافّة العواقب، عوض تحميلها للفتاة وحْدها”، وتابع “من ناحية عدْل الله ليْس هناك عدْل في هذا المجال”.