بعد 15 سنة من التضحية 450 أسرة على حافة الإفلاس
منهم من قضى نحبه بمغادرة العمل مع شركة الاتصالات ميديتل ومنهم من ينتظر، هذا هو حال جميع الوكالات التابعة لمديتيل. مصير أضحى مجهولا بعدما قررت الشركة فجأة فسخ العقد الذي يربطها والموزعين بعد عشرة أيام من الآن. فلم يبق من عمر اشتغالهم الرسمي كوكالات الا أياما قليلة تاهوا خلالها وتاه معهم مستقبلهم المعيشي فأمسوا مهمشين الى أقصى اليسار بعدما كانوا اليد اليمنى للشركة وبعدما ساهموا بارتفاع أرباحها التي وصلت الى نسبة 188 بالمئة مثلا سنة 2011.
أكلوا يوم أكل الثور الأبيض
منذ دخول شركة مديتيل سنة 1999، في شراكة بين مستثمرين مغاربة ومجموعتي اتصالات البرتغال و”تليفونيكا”، أصبحت المنافس الثاني في الساحة بعد اتصالات المغرب من حيث الهاتف والانترنيت. هذا النجاح الذي حققته الشركة لم يأت محض الصدفة بل بُني لَبِنة لَبِنة وخُطَّ بمداد سال من عرق أصحاب المحلات الذين قاموا بحملات تعريفية بكل منتجاتها فخرجوا للميدان معتمدين على مؤهلاتهم التكوينية والذاتية لكسب ثقة المستهلك، فاكتسحت مديتيل بذلك عالم الاتصالات المغربية بسرعة هائلة كونهم اعتمدوا سياسة القرب من المواطن لكسب ثقته فأصبح وفيا لرقمه ولبطاقته “الحمراء” حبا وإخلاصا لصاحب المحل التابع لحيه .فانتشرت الشركة كالنار في الهشيم في جموع الوطن بفضل الفرونشيز الذي عمل بتفان وإخلاص دون كلل أو ملل فكان للأسف أول من احترق بتلك النار في الوقت الذي كان من المفروض أن يعترف المستثمرون ممثلون في شخص مديرها العام “مشيل بولان” بالجميل ويهنئ الكل على ما قاموا به في عهده أو قبل ذلك. لكن بمجرد استنزاف جميع طاقاتها البشرية وامتصاص الدم السائر في عروقها، عمدت الشركة الأم إلى التخلص من نقط البيع وجعلها صفرا على يمين حساباتها..
جذير بالذكر أن “أورونج” استطاعت أن تصبح الفاعل الرئيس في الشركة بشراء عدد آخر من الأسهم في محاولة منها تغيير اسمها من “مديتيل” الى “أورونج المغرب”.
هذا وقد إشترت “فرانس تليكوم” 40 في المئة من ميديتل في 2010، ودفعت مقابله 640 مليون أورو أي ما يقارب 700 مليار سنتيم
كبش فداء
بعد أكثر من 15 سنة من العطاء والتفاني في العمل لبلوغ الأهداف المسطرة، تجد أكثر من 450 أسرة نفسها على أبواب التشرد والضياع بعدما أصبحت مجبرة على القبول بعقد جديد وصفوه بالظالم والجائر من خلال خفض جميع عمولات التعبئة وكذا الاشتراكات المسبقة الدفع، أو التخلي عن العمل كنقط بيع عاشت مسيرة سنين حفرت آثارا على ملاحهم وشاب من شَاب خلالها.
عُقد الأمل على العقد لينصفهم باعتبارهم طرفا شريكا في العمل، لا عبيدا يُجبَرون على الطاعة أو الطرد. ففي الوقت الذي وجب على الإدارة العامة لمديتل الاهتمام بعملائها وطاقاتها البشرية وتحسين علاقتها بهم لحفظ ماء الوجه تفاجأ الفرونشيز ببنود لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل غلاء المعيشة والاكراهات الأسرية، حيث أصبحت جميع العمولات الجديدة لا تسدد المصاريف فكيف بضمان رِبح يُعيل أسرا بأكملها.
موزعون يسقطون كأوراق الخريف
تتسارع دقات القلب مع تسارع قرب نهاية شهر أبريل، الوقت المحدد بين الموزعين ومديتيل لفسخ العقد الذي يجمع بينهما، حيث احتفظت شركة الاتصالات بثلاث موزعين فقط “فورست تليكوم” و “بيست مارك” ثم “موبيل كوم”، أما الباقون فقد أعلنوا انسحابهم نهائيا بسبب بنود العقد التي لم يجدوا فيها حياة كريمة ولا كرامة. وفي خريف هذا التساقط لازالت نقط البيع مجهولة المصير لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء. محلات هَوَت كأوراق الشجر وأخرى مصفرة آت موعدها.
فبنهج سياسة فرق تسد واستفراد مديتيل بكل طرف على حدة، استطاعت أن تخلط الأوراق وتساوم كل موزع على حدة، فاختلف التعويض حسب المدة وحسب عدد الفرونشيز التابع له، لكن يبقى هذا الأخير المتضرر الأول من هذه العملية حيث أصبح كعكة يحلي بها الطرفين جيوبهم بينما هي علقم يتجرعه الأرباب سما قاتلا.
الجمعية تسابق الزمن
تقوم الجمعية ممثلة لجميع نقط البيع بعد تفويضها كممثل رسمي لهم في اجتماع لتجديد المكتب بمراكش مطلع السنة الجارية، تقوم بدور هام بين مديتيل والموزعين في محاولة منها لحفظ حقوق المحلات، جاعلة من أولى الألويات ضمان العيش الكريم وحفظ حقوق الفرونشيز، وذلك بالتحرك على صعيدين الأول التعويض الجيد لنقط البيع التي ستغادر ميدان التسويق فيما مضى لها من سنوات عمل ثم محاولة الرفع من عمولة المحل الذي حصرته مديتيل في 2000 درهم وباقي العمولات كسياسة منها للوي الذراع وفرض الأمر الواقع، الشيء الذي لا ولن تقبل به الجمعية كخرق لجميع الاتفاقات السابقة بين المكتب التنفيذي والإدارة العامة لميديتل وكذا الموزعين..
وقد دعا أحمد موجاب رئيس جمعية أرباب المحلات في تصريح له للجريدة الى الالتفاف حول الجمعية كممثل وحيد لنقط البيع حتى تستطيع الوقوف كقلب رجل واحد أمام تحديات المرحلة الراهنة. وأكد الرئيس أن دخول شركة “أورانج” سنة 2013 كشريك جاء بتحول كبير وجذري للمرحلة حيث تهاوى مدخول “الفرونشيز” الى عشرة أقسام مما كان عليه مع الشركاء الإسبان أو المغاربة في مراحل سابقة. فهل تنوي الشركة إبادة جماعية لشركائها؟ أم أنها تنهج سياسة التقشف دون مراعاة حقوق الغير؟
وقد كان أعضاء المكتب التنفيذي، يضيف الرئيس، ينتظرون العقد الجديد بفارغ الصبر كي تتحسن وضعية المالكين لكن قرار التخلي عن شبكتها التسويقية وفسخ العقد معها نهائيا كان بمثابة الصدمة القوية.
حرب فيسبوكية
وفي سابقة من نوعها عمد أرباب المحلات، منذ إعلان مديتيل عدم تجديد العقدة معهم، وفي خطوة احتجاجية عبر صفحاتهم بشبكات التواصل الاجتماعي، عمدت الى تغيير صورهم الشخصية بصورة تتضمن عبارة ” ميديتل تتنكر لمحلاتها”.
يأتي الحدث بعد سلسلة من الاحتجاجات التصعيدية تتصدرها بيانات من لدن جمعية أرباب هذه المحلات منذ تجديد مكتب الجمعية. المحتجون أكدوا أن الشركة اختارت مجموعة من الموزعين لمنتوجاتها مستقبلا تعتزم التعامل معهم دون غيرهم، وبشروط تتماشى وهدفها من الشركة، وهو ما أغضب مئات زبناء الشركة من موزعين وبائعين لمنتوجات شركة الاتصالات.
هذا وقد فاض كاس الصبر بأصحاب المحلات فأعلنوا شعارا ضد أورانج الفرنسية بعدما امتلكت أكثر من 51 بالمئة من الأسهم حيث رحبوا بالعملاء الفرنسيين “كمستثمرين لا كمستعمرين”. وأعلنوها حربا افتراضية مؤقتة الى حين موعد الوقفة الاحتجاجية العارمة التي ستعرف حجيج جميع المتضررين من كافة ربوع الوطن يوم الأربعاء المقبل 29 ابريل أمام المقر الرئيس للإدارة، تأتي الوقفة بعدما تمادت مديتيل في تعنتها وفي أقصائها الجميع من أجل مصالحها الشخصية. ولسان حالهم يقول:
أنْعي لكم أصدقائي الأَيَّام الخَوالي
والوُعودَ القديمَه
أَنْعي لكم
كَلامَهم المثْقوب كَالأحْذِية القَديمَه
ومُفرَدات الجُرح والهِجاء والشَّتيمَه
أْنعي لَكم
نهايَة العَقْد والضَّغط والأخْلاقِ الذَّميمَه
* * *
إليكُم إخوَتي شِعرا لم يعُد يَعرفُ الحَنين
بل سطورا ثَكلى حُبْلى بالأَنِين
خُطَّتْ بدَم القَلب وعَرق الجَبين
* * *
إن خَسرنا الحَرب … لا غَرابَه
فالمَعركَة لازالَت في البِدايَه
وإذَا هُمِّشْنا لا صَبابَه
فطريقُ الصَّبر ليسَ له نِهايَه
واثِق أنا، لَن نَعْدم الوَسيلَة
فَكُلنا خِبرة وهِمِّة وخَطابَه
السِّر في نَجاحِنا
صُمودُنا ووقوفُنا بصَلابَه
لِنكتُب تاريخَ مَجدِنا بذَكاء ودَهَاء ونَجابَه
مكناس اولين : روبورتاج مونية كسيكسو